كيف نصلي صلاة جيدة
- المرحلة الأولى: الصلاة بأدب. هي التي يراعة فيها أدب الصلاة الظاهري
- المرحلة الثاني: الصلاة بتفكر. وهي مراعاة أدب الصلاة الباطني.
فبعد أن نصلي مدة من الزمن بأدب يسعنا الانتقال تدريجياً إلى الصلاة بتفكر. وبعدها يمكننا دخول المرحلة الثالثة:
- المرحلة الثالثة: الصلاة بعشق
# الصلاة بتفكر
يتعين عليك —بادي الرأي— أن تحاول عدم التفكير بما سوى الله أثناء الصلاة حتى تصل رويداً رويداً إلى التفكير بالله تعالى.
صل صلاتك في أول وقتها وانسَ مشاكلك وأنت تصلي. قل لنفسك: ليس من الأدب أن أفكر بمشاكلي وأنا بين يدي الله. فكما تفعل بنعليك، اترك مشاكلك عند الباب ولا تدخلها معك.
فإن تعاطيت مع القضية بهذه الصورة ونسيت مشاكلك حال الصلاة فسترى بعدها بإذن الله أن هذه المشاكل قد حُلَّت. فإما أن تنضج أنت بالقدر اللازم فلا تعود تتأوه بسبب مشاكلك، أو أن تتضاءل مشاكلك فلا تستحق الأنين والبكاء.
كيف حصل هذا؟ حصل لمجرد أنك التزمت بأدب الصلاة الباطني بضع دقائق.
بعد الصلاة بأدب، يأتي الدور للصلاة بتفكر، ويحين الوقت لكي ترفع السوط وتجلد فكرك ولا تذره يعبث وأنت تصلي. فلا تسمح له بالذهاب إلى أي مكان متى ما شاء.
# إن في وسع المرء أن يأتي بصلاته وهو في غمرة كروبه وانشغال ذهنه
التقيت في أحد سجون البلاد ببعض السجناء، فوجدتهم وأنا على وشك البدء بمحاضرتي في حالة يرثى لها من البؤس وخيبة الأمل حتى لا يبدو عليهم أي رغبة في الاستماع إلى حديثي… فلا بد أنهم قالوا بين أنفسهم:"شيخنا تتناول فطورك مع زوجتك وأولادك ثم تأتينا لتتحفنا بكلامك!! أنت لا تدري أي كرب نحن فيه، فهذا ينتظر حكم إعدامه، وذاك متورط في صك بلا رصيد وآخر زوجته طريحة الفراش، نحن نعاني من ألف مشكلة ومشكلة. فما الذي سيتغير إذا أصغينا إليك؟! فلا يدري الشبعان بما يقاسي الجوعان!!…
ولما رأيت الحال على ما وصفت قلت لهم: عذرًا هلا تناسيتم مشاكلكم خمس دقائق، بل وتناسيتم أنكم في سجن أصلًا، وخرجتم من هذا الحال الذي أنتم فيه؟! ولعله كان طلبًا ثقيلًا لكنني أصرّيت عليهم وقلت: لخمس دقائق فقط أخرجوا من أذهانكم فكرة أنكم في سجن! أقسم أنكم إذا فعلتم هذا فإن سجنكم لا يطول أكثر وإن مشاكلكم لا تتفاقم …
كررت طلبي عدة مرات حتى اقتنعوا بالتدريج… فكرت مع نفسي أن ماذا سأقول لهم؟… أخرجوا مشاكلكم من أذهانكم خمس دقائق ثم ماذا؟… فغيرت وجهة كلامي وقلت: عندما تقفون للصلاة انسوا أنكم آباء أو أنكم تحت وطأة الدَيْن أو أن أزواجكم وأولادكم مرضى، بل انسوا أن مصيركم الإعدام… حاولوا نسيان جميع مشاكلكم في هذه الدقائق القليلة التي تقفون فيها للصلاة وليقل كل منكم لذاته: أنا الآن عبد لله ليس إلا، لست بأب ولا بمدين ولا بسجين … أنا عبد لله فقط . ثم ليكبّر وليشرع في صلاته فإذا فرغ منها فليرجع إلى سابق أفكاره وهمومه، ثم وعدتهم بأن الصلاة بهذه الطريقة ستحل الكثير من مشاكلهم.
عن أحمد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن الرضا(ع): جُعلت فداك، إني سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من إبطائها شيء، فقال: "لو أني قلت لك قولًا أكنت تثق به مني؟ فقلت له: جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق؟… قال: « فكن بالله أوثق، فإنك على موعد من الله، أليس الله عز وجل يقول"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ». فلقد ضمن الله قضاء حوائج أهل التقوى، وأي تقوى هي أفضل من الصلاة الجيدة وهي أهم ما أمر الله به؟!!
# صل بشخصية مستقلة
مرحى لأولئك الفتيان والفتيات الذين ما إن يسمعوا صوت المؤذن حتى يقوموا من مقامهم ويتخذوا زاوية من البيت عاكفين على صلاتهم دون أن ينظروا إن كان باقي أفراد العائلة قد قاموا إلى الصلاة أو لا؟ … فما أحسن أن يستقل المرء في حياته فلا ينظر إلى الآخرين…
أستحلفك بالله أيها العزيز أن لا تراقب الآخرين في قضية مثل الصلاة، فإن شاهدتني أنا أسيء أداء صلاتي فلا تقل: « إذا لم يأتِ فلان بصلاته على النحو المطلوب وهو معمم فمن أنا لأصلي أحسن منه؟! » كلا أدِّ صلاتك على أصولها وأقم لنفسك وزنًا خاصًا، فنحن الذين نخرب صلاة بعضنا البعض، ذلك أننا نراقب الآخرين، ونقول « نحن مثلهم » وهذه المراقبة سم قاتل.
# في الختام
في الختام أقدم لك يا صديقي نصيحتين أخويتين:
فإن رغبت يا عزيزي أن ترتقي بصلاتك نحو الأحسن، فصلّ صلاة الليل بين الحين والآخر. فنافلة الليل وصلاتها تدعمان الفرائض أيّما دعم وتكملان نقائصها. عن علي بن الحسين (ع): « أتعلم أنه لا يقبل من صلاة العبد إلا ما أقبل عليه؟ » فقال له: يا ابن رسول الله قد هلكنا إذًا !! قال: كلا، إن الله يتم ذلك بالنوافل". وصلاة الليل تمنح الإنسان قدرة هائلة وتمحو ذنوبه، عن أبي عبدالله(ع) في قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) قال: صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار" فأن يستيقظ المرء من رقاده من أجل صلاة الليل ويقف وحيدًا على باب ربه لهو في منتهى الروعة واللذة. النصيحة الثانية هي أن تستغفر ربك من الصلوات التي سبق أن صليتها، فدع الناس يستغفرون الله من معاصيهم، أما أنت فقل له " إلهي، أي قبيح ارتكبته بهذه الصلوات الهزيلة التي صليتُها!" وأكثِر بسبب صلواتك السابقة من ترديد « إلهي، العفو » كي يتولى الله سبحانه إصلاحها.
اللهم نسألك التوفيق للالتزام بآداب الصلاة وأدب الوقوف بين يديك.