مراجعة كتاب ملوك العرب
| مراجعاتكتاب ملوك العرب كتاب فخم وضخم وممتع ويحتاج في قراءته لعزلة، لأن المُتحدِّثَ فيه لا يتحدُّث أي كلام. مؤلفه هو الكاتب الأديب المُؤرخ اللبناني أمين الريحاني. اقرأ معي:
لستُ مُبالغاً إذا قلتُ أنْ ليس في البلاد العربية اليومَ رجلٌٌ واحدٌ يعرِفُ البلادَ العربيَّةَ كُلَّها. وليس في العالم اليوم -ويا للأسف- من يُحيط علماً بهذه الأقطار وبشؤونها جميعاً بحكامها وقبائلها وزراعتها وتجارتها… بكل ما يختص بأمورها السياسية الداخلية والخارجية غير الحكومة البريطانية. فهي تُصدِرُ كتاباً عن البلاد العربية مبنياً على تقارير وكلائها السياسيين والسياح العلماء تصححه وتعيد طبعه كل بضع سنوات. وهو مع ذلك لا يخلو من الأغلاط. زد على ذلك أنَّ الكتاب لا يُنشَرُ للعموم وقلَّما يُرَى خارجَ الدوائر الرسمية.
يعني بريطانيا في ذاك الوقت كانت تدرس البلدان العربية دراسة معمقة عشان تعرف كيف تسيطر علينا. ويكمل المؤلف القول:
ولا أظنُّ من وظيفة الحكومة البريطانية أو من مصلحتها أن تعرّف ملوك العرب بعضهم إلى بعض أو أن تُطلعهم على أحوال الأقطار العربية كلها. ولا أظن أنَّ أحداً من أبناء العرب يستطيع أن يقوم بهذا الواجب دون أن يرحل الرحلة التي قمتُ بها. فها أنا إذن في هذا الكتاب ولا فخر ولا اعتذار أن أُعرّف سادتي ملوك العرب بعضهم إلى بعضٍ تعريفاً يتجاوز الرسميات والسطحيات.
وليتحقق سادتي أن ليس في الثناء فيما كتبت تزلّف أو مداهنة. ولا في النقد تشييع أو تحامل. إنما غايتي القصوى تمهيد السبيل إلى التفاهم المؤسس على العلم والخبر اليقين.
وفعلاً، هذا أسلوبه في الكتاب. يُعبّر عن آرائه الشخصية بما يراه حقيقةً لهذا الهدف النبيل. لكن يا ليت لو أنهم يقرؤون. اقرأ معي ما كتبه المؤلف في وصفه لمدينة صنعاء:
إن صنعاء مدينة عربية صافية روحاً وشكلاً. أسواقها مثل أسواق جدة. غير مرصوفة ولكنا أوسع وأنظف. أما بيوتها العالية وبعضها ست طبقات، فبناؤها أجمل هندسةً وأكثر إتقاناً لأنّ الأسلوب العربي فيها لا يشوبه شيء أجنبي هندي أو أوروبي. وهي مبنية بالحجارة البيضاء والسوداء. وبعضها بالآجر. والبعض باللبن. وفوق كل نافذة كوة لوح من المرمر يكاد يكون كالزجاج رقيقاً شفافاً ولكنه أمتن من الزجاج وأجمل.
ما عرفتُ اليمنَ أثناء الحرب ولم تعرف حتى اليوم غلاء المعيشة والأجور. إن مجرد ذكر أجرة البيت في صنعاء ليشوق إخواني في مصر ونيويورك إلى الإقامة فيها. هذه البيوت طبقاتها من الثلاث إلى الست. وهي من الدرجة الأولى (أي في أحسن حي من المدينة). وما أجرة الواحد منها غير 4 ريالات شهرياً. أما المعيشة فلا تقلُّ حسناً ولا تزيد نفقةً عن البيوت. وهم مع ذلك يشكون قلة المال ووقوف الأشغال وعسر الأحوال.